

مساجد جزيرة جربة
و علمائها
الشيخ عمر بن مرزوق
ولد الشيخ عمر بن إبراهيم بن مرزوق في 10 أفريل 1892 م بحومةوالغ بجزيرة جربة. عاش يتيما فكفله أخوه حميدة وأدخله جامع الملاق فتعلمالقراءة والكتابة وحفظ نصيبا من القرآن الكريم. ولما بلغ الثامنة من عمرهسافر إلى مصر حيث يشتغل أخوه الأآبر حميدة وخاله حمودة بن قايدبالتجارة في قرية الفيوم فالتحق بهما وعمل معهما في التجارة وتعلم فنونهاوفي يوم من أيام الصيف الحارة قصد صحبة أخيه حميدة النيل على متن بغلةللسباحة وما أن نزلا في الماء حتى جرفهما التيار صحبة البغلة وأشرفا علىالغرق ولم ينقذهما إلا مصري صعيدي آان مارا فوق الجسر فلما أبصرهما أحس الشيخ عمر بألم شديد في عينيه فعرضه خاله حمودة على متطببمشعوذ استعمل له أدوية أضرت به وفقد على إثرها بصره. أدخله خاله الكتاببقرية الفيوم فحفظ القرآن عن طريق الملة في فترة وجيزة لما يتمتع به منذآاء وقوة في الذاآرة وفصاحة في اللسان.عاد الشيخ عمر إلى أرض الوطن ثم التحق بجامع الزيتونة بتونسالعاصمة. وعن عودته يروي الشيخ سالم بن يعقوب نقلا عن شيخه عمر بنمرزوق قوله :"لما أراد خالي أن يرسلني إلى تونس جاءني ليلة سفري وقال: قل لا إله إلا الله محمد رسول الله. قال:فقلتها. قال : آررها ثلاثا. ثم قال: قلبسم الله الرحمان الرحيم قال: فبسملت ثلاثا ثم طلب مني أن أمد يديفمددتها، فبدأ يعد في يدي الدنانير حتى وصل العشرين جنيها مصريا وقالهذا من زآاة مالي. اللهم تقبلها مني."دخل الشيخ عمر بن مرزوق جامع الزيتونة سنة 1913 م فكد واجتهدفي دراسته وتتلمذ على خيرة علماء الزيتونة فحفظ المتون بمساعدة بعضالطلبة وتلقى دروسا في الفقه والعقائد والأصول على الشيخ عمر العوامالمتوفى سنة 1335 ه بمدرسة الإباضية بالهنتاتي بسوق اللفة.روى الشيخ أبو الربيع سليمان الباروني( 260 ) متحدثا عن الشيخ عمرزميله في الدراسة عند زيارته إلى جربة سنة 1955 م قال:"آان الشيخ عمرحاد الذآاء قوي الحافظة شغوفا بالدراسة حريصا على الاستفادة لا يتركالوقت يمر دون أن يستفيد منه. آنت أراجع له المسائل الفقهية واللغوية وأقرأله المتون فيحفظها، لازمني مدة الدراسة لا يفارقني فكنت أساعده علىمراجعة جميع الدروس."لما أنهى دراسته بالزيتونة عاد إلى جربة وانتصب للتدريس والوعظوالإرشاد فنظم دروسا بمنطقة الرياض سنة 1342 ه حضرها عشرة منالتلاميذ منهم الشيخ علي بن يعلى وفي أول محرم 1344 ه وبمناسبةالاحتفالات برأس السنة الهجرية انتظم حفل ديني ضم مشائخ منطقة آجيموصدغيان تناول فيه الشيخ عمر بن مرزوق الكلمة فوعظ الناس وأرشدهم ثمحثهم على تعليم أبنائهم والتفكير في بعث مدرسة تكون وسطا يقصدهاشباب الجزيرة آلهم لتعلم أوصول الدين والعقيدة. لقيت آلماته ترحابا منالحاضرين وتحمسوا للفكرة واقترح مشائخ منطقة بني ديس بعث هذهالمدرسة بجامع بن يعلى بالرياض في حين اقترح مشائخ صدغيان ووالغجامع الباسي بوالغ. واشتد الخلاف بينهما وأصرت آل جماعة على موقفها.وفي الأخير اتفق مشائخ آجيم ووالغ وصدغيان وقلالة على فتح مدرسةبجامع الباسي وتعيين الشيخ عمر بن مرزوق مدرسا بها وآلفوا الشيخ محمدبن تعاريت للسهر على إدارتها بجمع المال وترسيم التلاميذ في حين امتنعمشائخ منطقة بني ديس من إرسال أبنائهم ومد يد المساعدة لهذهالمدرسة. وجمع الشيخ محمد بن تعاريت عشرة آلاف فرنك وخصصوا ثلاثةآلاف من الفرنكات في السنة للشيخ عمر بن مرزوق وأربعين فرنك لكل تلميذ. انتظمت الدروس بمدرسة جامع الباسي في العقيدة والعلوم الفقهيةواللغوية والتاريخ. حضرها جمع آبير من شبان الجزيرة نذآر منهم على سبيلالذآر لا الحصر الشيخ سالم بن يعقوب صاحب آتاب تاريخ جزيرة جربة من غيزن والشيخ يونس المثني والشيخ رمضان بن صالح المعدي وعمر بنرمضان بن جمعة من آجيم وعمر بن تازيري من سدويكش وعبدالسلامالدنقير وصالح بن احمد بن ميمون من والغ وينظم إليهم في العطلة الصيفيةالشيخ عمر بن الحاج عمر من الماي وعمر بن تعاريت حيث آانا يدرسانبجامع الزيتونة بتونس أما الكتب المعتمدة في الدراسة فهي آتاب الوضعوالمنظومة الجادوية في الفقه وشرح الشيخ خالد وآتاب القطر وغيره فيالنحو. أما عن نظام الدراسة فيروي الشيخ سالم بن يعقوب فيقول :"آنا نقيمبجامع الباسي خمسة أيام متتالية، تنطلق الدروس صباح يوم السبتوتنتهي مساء يوم الأربعاء بعد صلاة العصر نعود إثرها إلى منازلنا فنقضييومي الخميس والجمعة. أما شيخنا عمر بن مرزوق فكان يأتي إلى المدرسةصباحا ويعود إلى منزله بعد العصر إلا ليلة الأربعاء فيبقى معنا للمذاآرةوالمراجعة واستعراض ما حفظناه من أشعار وحكم واستدلالات تدريبا لنا علىالوعظ والإرشاد. فكانت تلك الليلة من أنشط الليالي وأحبها لنفوس التلاميذيستعدون لها استعدادا خاصا. وآان الفقيه أمحمد زآري مؤدب الصبيانبالجامع يشارآنا سهرتنا ويضفي عليها مسحة من المرح فينشط السهرةويسدي إلينا النصيحة ويشجعنا على المثابرة والاجتهاد."تواصلت الدروس بمدرسة جامع الباسي حتى أواخر سنة 1345 هحيث انقطع بعض التلاميذ من أمثال الشيخ سالم بن يعقوب الذي سافر إلىبنزرت للتجارة صحبة شقيقه وتفرق الباقون وضعف النشاط وحل محلهالخمول وشح أهل الخير بأموالهم على طلاب العلم.أما الشيخ عمر بن مرزوق فكان يتنقل من مكان إلى مكان على عادةمشائخ الجزيرة يرشد الناس في المساجد والولائم والمآتم ويقاوم الفسادفقضى على ظاهرة الطبول والمزامير في الأفراح واستبدلها بسهرات دينيةوعظية تتخللها مدائح وأذآار نبوية. يتمتع بأسلوب جذاب يشد إليه نفوسالسامعين بإدخال النكت الطريفة وضرب الأمثال أثناء الدروس آما يتمتع بصوتجهوري جميل عند تلاوة القرآن الكريم وسرد قصة المولد النبوي الشريفواستقبال العريس بالقصائد عند الرجوع من الحمام وآثيرا ما يصحبه لهذهالأعراس ويردد معه القصائد والمدائح الشيخ أمحمد بن يوسف الباروني الذيتأثر آثيرا بالشيخ عمر بن مرزوق وحبب إليه هذا الفن الجميل وحمل عنهالمشعل حتى وفاته سنة 1987 م أما مترجمنا الشيخ عمر بن مرزوق فقدتوفي في صبيحة يوم الثلاثاء 28 نوفمبر 1961 م الموافق ل 20 جمادى الثانية1381 ه ودفن بمقبرة أجداده بوالغ رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فراديسجنانه إنه سميع مجيب